خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز “العمل شرف”
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “العمل شرف” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 4 جمادي الآخرة 1443هـ، الموافق 7 يناير 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يناير 2022م بصيغة word بعنوان : “العمل شرف”، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يناير 2022م بصيغة pdf بعنوان : “العمل شرف”، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 يناير 2022م بعنوان : “العمل شرف”.
أولاً: قيمةُ العملِ في دينِنَا.
ثانيًا: آدابُ العملِ في الإسلامِ .
ثالثًا: خطرُ البطالةِ والتسولِ
رابعًا :إياكَ والطمعَ في أجرِ الأجيرِ .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 يناير 2022م بعنوان : “العمل شرف” : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: العملُ شرفٌ د. محمد حرز
بتاريخ: 27 جماد الأول 1443هــ – 31 ديسمبر2021م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ ( سبأ 13) ،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ الْمِقْدَامِ – رضى الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:
“ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ“(((رواه البخاري) ؛ فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ:
فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
أيها السادةُ:(( العملُ شرفٌ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولاً: قيمةُ العملِ في دينِنَا. ثانيًا: آدابُ العملِ في الإسلامِ .
ثالثًا: خطرُ البطالةِ والتسولِ رابعًا :إياكَ والطمعَ في أجرِ الأجيرِ .
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذهِ الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن شرفِ العملِ ومكانَتِهِ في الإسلامِ وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا انتشرَ فيه التسولُ ومدُّ الأيدِي إلى الناسِ بصورةٍ مخزيةٍ من الرجالِ والشبابِ بل ومن النساءِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، وخاصةً وأنّ دينَنَا الحنيفَ حثَّنَا وأمرَنَا بالعملِ والسعيِ في الأرضِ طلبًا للرزقِ وطلبًا للحلالِ وطالبًا لعدمِ التسولِ وحذَّرَ من البطالةِ وخطرِهَا على الفردِ والمجتمعِ .
وما نيلُ المطالــبِ بالتمنِّــــيِ *** ولكنْ تؤخــذُ الدنيا غِلابَا وما استعصَى على قومٍ منالٌ **** إِذا الإقدامُ كان لهم رِكابا
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولاً: قيمةُ العملِ في دينِنَا.
أيُّها السادةُ: الإسلامُ دينُ العملِ والاجتهادِ، دينُ النشاطِ والحيويةِ، دينُ الريادةِ والعطاءِ، دينُ السعيِ في الأرضِ بحثًا عن الرزقِ وطلبًا للحلالِ، وليس دينَ الكسلِ والخمولِ، قال ربُّنَا : ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(التوبة:105) ؛ والمسلمُ ما خُلقَ ليكونَ عالةً، ولا ليكونَ نكرةً في الحياةِ، ولا ليكونَ عطَّالًا بطالًا، بل خُلقَ للعبادةِ والعملِ، خُلقَ للإنتاجِ والإنجازِ، قال اللهُ في حقِّ المسلمِ:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين(((فصلت: 33) المسلمُ هو العابدُ في مسجدِهِ، والتاجرُ في سوقِهِ، والبنّاءُ في أرضِهِ، والمزارعُ في بستانِهِ، يملأُ الأرضَ عبادةً للهِ وعمارةً لأرضِ اللهِ، فهو كالغيثِ حيثُمَا وقعَ نفعَ، يعملُ لآخرتِهِ كأنَّهُ سيموتُ غدًا، ويعملُ لدنياهُ كأنّهُ يعيشُ أبدًا، والعملُ شرفٌ والعملُ سرُّ البقاءِ وروحُ النماءِ وأساسُ البناءِ قال جلَّ وعلا :
((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ))(الملك: 15)
والعملُ مقصدٌ من مقاصدِ خلقِ الإنسانِ، وغايةٌ مِن أعظمِ الغاياتِ لبقائِنَا، وهدفٌ من أعظمِ الأهدافِ لوجودِنَا في أرضِنَا قال جلَّ وعلا:((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا(((هود: 61). والعملُ فعلُ الأنبياءِ، وسلوكُ النبلاءِ، ومنهجُ الشرفاءِ لذا قال اللهُ مادحًا العملَ والعمالَ فيما حكاهُ القرآنُ عن داودَ عليه الصلاةُ والتسليمُ: ))وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)) ( الأنبياء: 80) .
ومدحَهُ النبيُّ العدنانُ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: “ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عملِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه“ رواه البخاري والعملُ في الدنيا عبادةٌ وطاعةٌ، لذا أمرُ اللهُ به عبادَهُ المرسلين، ومدحَهُم بهِ فقال في محكمِ التنزيلِ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)) (ص: 45). بل إنّ للعملِ أجرًا عظيمًا وثوابًا كبيرًا، قال اللهُ تعالى: ((وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (((آل عمران:136 ) .
والعملُ في الإسلامِ له مكانةٌ كبيرةٌ ومنزلةٌ رفيعةٌ، وكيف لا؟
به يُنالُ الأجرُ والثوابُ، وهو عبادةٌ عظيمةٌ للهِ وامتثالٌ لأمرِهِ، عن طريقِهِ تقومُ الحياةُ، وتعمرُّ الديارُ، وتزدهرُ الأوطانُ، ويحدثُ الاستقرارُ، أمرَ به سبحانَهُ وتعالى فقالَ:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِهِ لهذهِ الآيةِ:
رُوِي عن بعضِ السلفِ أنَّه قالَ:
مَن باعَ واشترَى في يومِ الجمعةِ بعدَ الصلاةِ بارَكَ اللهُ له سبعينَ مرَّةً ، وقالَ تعالى:{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} (النبأ: 11 ) وكيف لا؟ الإسلامُ ينظرُ إليه نظرةَ احتِرامٍ وتكريمٍ وإجلالٍ، لذا قرنَ اللهُ العملَ بالجهادِ في قولِهِ سبحانَهُ:
﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾(المزمل: 20) وكيفَ لا؟ والإسلامُ اعتَبَرَ العملَ جهادًا، فقد رُوِيَ أنَّ بعضَ الصحابةِ رأوا شابًّا قويًّا يُسرِعُ إلى عملِهِ، فقالوا:
لو كان هذا في سبيلِ اللهِ، فردَّ عليهم النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – كما رواه الطبرانيُّ في معاجمِهِ الثلاثةِ بإسنادٍ صحيحٍ عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال: مرَّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من جلَدِهِ ونشاطِهِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
“ إنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على وُلْدِهِ صِغارًا فَهُوَ في سَبِيل اللَّهِ ،وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على أبوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ ،وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على نَفْسِهِ يُعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى رِياءً وَمُفاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيْطانِ“.
وكيف لا؟ واللهُ جعَلَ العملَ سنَّةَ أنبيائِهِ ورسلِهِ بالرغمِ مِن انشِغالِهِم بالدعوةِ إلى اللهِ وتبليغِ رسالتِهِ إلى أممِهِم وأقوامِهِم، يقولُ سبحانَهُ:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾(الفرقان: 20) ، يقولُ الإمامُ القرطبيُّ في تفسيرِ هذه الآيةِ:
“أي: يبتَغُونَ المعايشَ في الدنيا… وهذه الآيةُ أصلٌ في تناوُلِ الأسبابِ وطلَبِ المعاشِ بالتجارةِ والصناعةِ وغيرِ ذلك، لذا عَمِلَ آدَمُ بالزراعةِ، وكان إبراهيمُ بزازًا، ونوحٌ نجارًا وكذا زكريا، و كان لقمانُ خياطًا وكذا إدريسُ، وكان موسى راعيًا ، وقد أخبرَ نبيُّنَا محمدٌ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه كان يعمَلُ برعي الأغنامِ، حيثُ يقولُ كما في صحيحِ البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى اللهُ عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى اللهُ عليه وسلم – قَالَ : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » .
فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ :
« نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ “ كما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يخرجُ إلى الشامِ للاتجارِ بمالِ خديجةَ – رضي اللهُ تعالى عنها وأرضاهَا. ، وفي مسندِ أحمدَ عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم– إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ )) وقد سُئِلَ سفيانُ الثوريُّ يومًا: دُلّنِي على عملِ الأبطالِ؟ فقالَ :كسبُ الحلالِ والإنفاقُ على العيالِ. وفي سننِ ابنِ ماجةَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزُّبَيْدِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ.
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طَلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَنْ طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: آدابُ العملِ في الإسلامِ .
أيُّها السادةُ : هناكَ آدابٌ ينبغي أنْ تتوفرَ في العملِ والعاملِ ليسعدَ في الدنيا والآخرةِ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ:
أنْ يكونَ العملُ حلالًا ليس حرامًا فاللهُ طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، ومِن صورِ العملِ التي انتشرتْ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ تصويرُ الزوجةِ ونشرُ مقاطعٍ لها مِن أجل إغراءِ وجذبِ المشاهدين وجمعِ اللايكاتِ (الإعجابات) وجمعِ الفلوسِ من اليوتيوب ِوغيرِهِ فهذه دياثةٌ عافانَا اللهُ وإياكُم منها، الديوثُ هذا الرجلُ الذي لا يغارُ على زوجتِهِ من أعينِ الناسِ ويتباهى بجمالِهَا وزينَتِهَا وينشرُهَا على المواقعِ ليراهَا الجميعُ كما في حديثِ ابنِ عمرَ قال قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم:
“ ثلاثةٌ قد حرَّمَ اللهُ عليهمُ الجنةَ : مُدمنُ الخمرِ، والعاقُّ، والديُّوثُ الذي يُقرُّ في أهلهِ الخبَثَ “رواه النسائي والدياثةُ خلقٌ ذميمٌ طبعًا ومحرمٌ شرعًا وكسبُهُ حرامٌ…….وللهِ درُّ القائلِ
جُمِّعَ الحرامُ على الحلالِ ليكثّرَه *** دخلَ الحرامُ على الحلالِ فبعثرَه
ومن الآدابِ أنْ يكونَ العاملُ قويًّا أمينًا. والقوةُ تتحققُ بأنْ يكونَ عالمًا بالعملِ الذي يسندُ إليه، وقادرًا على القيامِ بهِ، وأنْ يكونَ أمينًا على ما تحتَ يدِهِ، قال ربُّنَا: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26] ، وأنْ يكونَ العاملُ بعيدًا عن الغشِّ والتحايلِ، فالغشُّ ليسَ من صفاتِ المؤمنينَ، فعن أبي هريرةَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ «أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ على صُبرةِ طعامٍ. فأدخلَ يدَهُ فيها. فنالت أصابعُهُ بللًا. فقالَ :
ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتهُ السَّماءُ. يا رسولَ اللَّهِ! قالَ أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي» (رواه مسلم)
ومِن الآدابِ: أنْ يتقنَ العاملُ عملَهُ فكمْ مْن أممٍ تقدمتْ بسببِ إتقانِهَا للعملِ وكمْ مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ عدمِ إتقانِهَا للعملِ وصدقَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إذْ يقولُ:“ إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ“ رواه الطبراني.
ومِن هذه الآدابِ: الالتزامُ بالدوامِ والتبكيرِ إلى العملِ، فتتحققُ البركةُ، قال صلى اللهُ عليه وسلم:« اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» (الترمذي وابن ماجه)، هذه آدابُ العملِ وواجباتُ العاملِ في الإسلامِ وغيرُهُا كثيرٌ. فيها الراحةٌ والسعادةٌ والأمنُ والأمانُ للفردِ والمجتمعِ، وفيها رضا اللهِ وسعةُ رزقةِ وحلولُ بركتِهِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: خطرُ البطالةِ والتسولِ:
أيُّها السادةُ: البطالةُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلا كان نذيرًا لهلاكِهَا ، و ما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِهَا ، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍّ وتعاسةٍ ، والتسولُ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبُهُ: الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُهُ النيران ،ويبعدُهُ عن الجنانِ ،فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
والبطالةٌ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ، والتسولُ داءٌ يقتلُ الطموحَ ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ ، ويعَدُّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةً في سبلِ البناءِ والتنميةِ ، يبددُ المواردَ ، ويهدرُ الطاقاتِ .
لذا حاربَ الإسلامُ البطالةَ والكسلَ والتسولَ ودعا إلى الإنتاجِ والعملِ.
وأَبَىَ الإسلامُ أنْ يكونَ أتباعُهُ عالةً على الناسِ، يتسولونَ خبزَ طعامِهِم، وملابسَ لسترِ عوراتِهِم، وينتظرونَ سلةَ إغاثتِهِم، بل ورفضَ الإسلامُ أنْ يكونَ المسلمُ مكسورَ الجناحِ، يطعمُهُ ويسقيهُ غيرُهُ، وينتظرُ المعونةَ مِن هنا وهناك، فها هو سيدُ العاملين محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلم يأبَىَ أنْ يعطيَ شابًّا متسولًا شيئًا بل قال له:
(اذهبْ فاحتطبْ وبعْ ولا أَرَينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا(، فذهبَ الرجلُ يحتطبُ ويبيعُ فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمَ فاشتَرَى ببعضِهَا ثوبًا وببعضِهَا طعامًا فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هذا خيرٌ لكَ مِن أنْ تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ( رواه أبو داود.
لذا نجدُهُ صلي اللهُ عليه وسلم يدعوا إلى العملِ والاحترافِ خيراً مِن المسألةِ فعن الزبيرِ ابنِ العوامِ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلي اللهُ عليه وسلم :
” لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ فيأتي بحزمةٍ من الحطبِ على ظهرِهِ فيبيعُهَا فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ له مِن أنْ يسألَ الناسَ : أعطوْهُ أوْ منعُوه(( (البخاري) وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال:
(وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلاَّ زَادَهُ الله تَعَالَى بِهَا قِلَّةً)؛ رواه البيهقيُّ، وفي روايةٍ: ((وَلَا فَتَحَ رَجُلٌ على نَفْسِهِ بابَ مَسألَةٍ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ بابَ فَقْرٍ((وعن عبدِاللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما أنّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: (لا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تعالى وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) متفقٌ عليه.
أما عقابُ المتسولِ بعدَ الحسابِ، فهو الجمرُ، يا ربِّ سلمْ فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: «مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فإنَّمَا يَسْألُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»؛ رواه مسلم ٌفاليدُ السفلَى والتسولُ قد كَثُرَ في أوطانِنَا لذا يجبُ تحفيزُهَا على الدوامِ لتكونَ عُليَا بالعطاءِ والعرقِ والعملِ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ تعالى عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال، وهو على المنبرِ، وذكرَ الصدقةَ والتَّعَفُّفَ والمسأَلَةَ:
“اليدُ العُلْيَا خيرٌ من اليدِ السفلى، فاليدُ العليا هي المُنْفِقَةُ، والسفلى هي السائِلَةُ“(رواه البخاري).
وطالبُ العفافِ من ربِّه بنيةٍ صادقةٍ سيغنيهُ اللهُ بيقينِهِ، فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي اللهُ تعالى عنه قال: (إنّ ناسًا مِن الأنصارِ، سألُوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعْطَاهُم ثم سألُوهُ فأعْطاهُم حتى نَفِدَ ما عندَهُ، فقال: “ما يكونُ عِندَي من خيرٍ فلن أدَّخِرَهُ عنكم، ومَن يستعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ، ومَن يتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِنَ الصَّبرِ” رواهُ البخاريُّ.
لحَمْلِي الصخرَ من قمَمِ الجبالِ *** أحـــبُّ الىَّ مِن مننِ الرِّجَالِ
يقـولُ الناسُ في الكســبِ عارٌ *** فقلتُ العارُ في ذلِّ السُّؤَالِ
أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة
رابعًا :إياكَ والطمعَ في أجرِ الأجيرِ :
أيُّها السادةُ : إياكُم والطمعَ في أجرةِ الأجيرِ فهي خزيٌ وعارٌ وهلاكٌ ودمارٌ، فعدمُ إعطاءِ الأجيرِ أجرَهُ مصيبةٌ كبري وبليةٌ عُظمى انتشرتْ في المجتمعاتِ بصورةٍ مخزيةٍ، يعملُ المسكينُ ليلَ نهار، ويُهضمُ حقُّهُ ويُأكلُ أجرُهُ ولا يتقِ اللهَ ولا يخافُ من الوقوفِ بين يدىِ اللهِ ولا حولَ ولا قوةَ إِلا باللهِ، وكيف لا؟ واللهُ يقولُ:
{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]. ويقولُ النبيُّ العدنانُ صلى اللهُ عليه وسلم:
« أعطوا الأجيرَ أجْرَه قَبلَ أنْ يَجِفَّ عَرَقُه» (ابن ماجه)، بل مِن صورِ الظُّلْمِ عَدَمُ إعطاءِ الْأَجِيرِ حَقَّهُ الذي يعملُ عندكَ بالأجرِ ولا تُعطيه أجرتَهُ هذا ظلمٌ فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال :
قال النبيُّ المختارُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْعَمَلَ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ }رواه البخاري. بل يَجبُ عدمَ تكليفِهِ فوقَ طاقتِهِ، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وفي الصحيحين من حديثِ أبي ذرٍ الغفاريِّ رضى اللهُ
عنه قال: قال صلى اللهُ عليه وسلم:
« إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم» متفقٌ عليه. فاللهَ اللهَ في العملِ، اللهَ اللهَ في السعيِ والاجتهادِ، اللهَ اللهَ في رفعةِ الأوطانِ بالعملِ والجدِّ، اللهَ اللهَ في إتقانِ العملِ، اللهَ اللهَ في عدمِ أكلِ أجورِ الناسِ، اللهَ اللهَ في الحلالِ .
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائِدِين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفو ربِّهِ
د/ مُحمد حرز
إمامٌ بوزارةِ الأوقافِ
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف